كتب نبض مصر : شاهد لطالما ارتبطت فكرة المساومة في الأدب، بقضية الإنسان الباحث عن القوة والمعرفة أو حتى النجاة من قيود الواقع، وهو ما ظهر جليًا في الأسطورة الألمانية... , بعنوان محمد عبد الرحمن يكتب: "الشرنقة".. عبثية الواقع ومتاهة الأحلام نجوم و فن نشر في الثلاثاء 2025/03/04 الساعة 11:32 م بتوقيت مكة المكرمة عبر موقع نبض الجديد, التفاصيل ومشاهدتها الان .
لطالما ارتبطت فكرة المساومة في الأدب، بقضية الإنسان الباحث عن القوة والمعرفة أو حتى النجاة من قيود الواقع، وهو ما ظهر جليًا في الأسطورة الألمانية "فاوست"، فالبطل لم يكن راضيًا عن نجاحه المحدود، فاستسلم لإغواء الشيطان مقابل وعود بالمعرفة المطلقة والملذات الدنيوية، هذا الصراع الوجودي أعادت السينما المصرية طرحه بأشكال مختلفة، كما فعل المخرج الكبير داوود عبد السيد في "أرض الخوف"، حينما أغوى الضابط يحيى (أحمد زكي) بترك موقعه الأمني لينخرط في عالم الجريمة.
من هذا المنطلق، يمكننا النظر إلى مسلسل الشرنقة تأليف عمرو سمير عاطف وإخراج محمود عبد التواب الذي يُعرض في موسم رمضان 2025، كإعادة طرح لمفهوم المساومة، لكن برؤية عصرية تنغمس في تعقيدات المجتمع الحديث.
تدور أحداث مسلسل الشرنقة حول حازم (أحمد داود)، المحاسب الطموح، الذي يعاني من اغتراب نفسي عميق، إذ يشعر بأن تفوقه العملي لا ينعكس على وضعه الاجتماعي، في ظل هذا التناقض، يجد نفسه مُجبرًا على القبول بأعمال غير مشروعة داخل الشركة التي يعمل بها، مما يدخله في صراعات حادة بين واقعه الحقيقي وعالمه الذهني المشوش، حيث يعيش في أحلام يقظة تجعل رؤيته للواقع مضطربة.
المسلسل منذ البداية يعكس هذا الصراع الداخلي العميق، حيث تبدأ الحلقات الأولى برسم عالم حازم النفسي، المليء بالطموحات والانفصال عن الواقع. لكن اللحظة الفاصلة في حياته تأتي مع المساومة، عندما يقرر أن يترك مبادئه جانبًا مقابل تحقيق أحلامه في الترقي الاجتماعي. هذه اللحظة تتشابه مع لحظة سقوط آدم حينما أكل من الشجرة المحرمة، أو مع توقيع فاوست عقده مع الشيطان، حيث يختار البطل بإرادته أن يترك "الجنة" التي كان يعيش فيها - ولو كانت جنة وهمية - لينغمس في عالم المجهول.
منذ البداية، يقدم المسلسل رؤية نقدية لعالم الرأسمالية الذي يحول الإنسان إلى مجرد ترس صغير داخل آلة ضخمة لا تبالي بأحلامه أو إنسانيته، حازم يعمل في وظيفة تُفقده فرديته، وتضعه في حالة من التناقض بين سعيه للنجاح المهني وإحساسه بالضياع الشخصي. هكذا، يتقاطع العمل مع مفهوم الاغتراب الذي طرحه الفيلسوف كارل ماركس، حيث يشعر الإنسان في ظل الرأسمالية بأنه غريب عن ذاته، فيصبح مجرد آلة تسعى إلى تحقيق أهداف مادية على حساب وجوده الحقيقي.
هذا الصراع يظهر بوضوح في رفض حازم لواقعه ومحاولته تجاوزه بأي ثمن، حتى لو كان عبر طرق غير مشروعة. لكنه، وعلى غرار العديد من الأبطال التراجيديين، لا يجد في النجاح المادي خلاصًا من إحساسه العميق بالعزلة. بل على العكس، كلما اقترب من تحقيق أهدافه، ازداد شعوره بالضياع، وكأنه في متاهة لا نهاية لها.
ما يدفع حازم إلى قبول المساومة ليس مجرد الطموح المجرد، بل الحاجة المالية الملحة، إذ يعاني من أزمة ديون وأقساط، مما يجعله يقبل عرض مديره محسن (صبري فواز)، الذي يغريه بمكتب ضخم وراتب كبير مقابل التورط في عمليات غسيل أموال غير مشروعة. لكن المسلسل لا يقدم هذه المساومة كفعل قسري، بل يطرح تساؤلًا فلسفيًا: هل الإنسان مخير أم مجبر؟ هل نُحرك وفق أقدار محتومة، أم أن اختياراتنا هي التي تصنع مصائرنا؟
مع تقدم الأحداث، يبدأ حازم في فقدان إحساسه بالواقع، حيث يعيش حياة أخرى داخل أحلام اليقظة. يتخيل نفسه في عالم مختلف، يتعامل مع أشخاص لم يلتقِ بهم من قبل، مما يجعله يعيش في دوامة من الشكوك حول حقيقته. هنا، يتحول المسلسل إلى رحلة نفسية داخل عقل البطل، في تماهٍ مع فكرة العزلة النفسية التي يعيشها الإنسان المعاصر في ظل نظام رأسمالي يمزق الروابط الاجتماعية ويشجع الفرد على رؤية نفسه ككيان معزول.
الصورة هنا تتقاطع مع الأسطورة الإغريقية عن سيزيف، الذي حُكم عليه بأن يدفع صخرة إلى قمة الجبل، لكنها في كل مرة تتدحرج إلى الأسفل ليعيد المحاولة من جديد. فـ حازم، مهما وصل إلى القمة، يجد نفسه يعود إلى نقطة الصفر، في دورة عبثية لا نهاية لها.
المخرج محمود عبد التواب، بدوره قدم رؤية إخراجية تخدم البعد النفسي، إذ وظف أدواته البصرية والتشكيلية لإبراز الصراع النفسي للبط، مثل "زر" المصعد الصاعد لأعلى الذي يضغط عليه حازم عليه مرارًا، وكأنه يحاول الصعود إلى مستوى أعلى في الحياة، لكنه يجد نفسه عالقًا في نفس المكان، وكذلك تم توظيف لوحات لسلالم صاعدة إلى السماء، مما يعكس تطلعات البطل في الصعود الاجتماعي السريع، لكنه في كل مرة يكتشف أن الوصول ليس سهلًا كما توقع، واستخدام كذلك الإضاءة الخافتة في مشاهد الواقع، مقابل إضاءة مشرقة في مشاهد الأحلام، لخلق التناقض بين العالمين، هذا الأسلوب جعل المشاهد يعيش حالة من التداخل بين الواقع والخيال، تمامًا كما يعيشها البطل.
في النهاية، يقدم لنا مسلسل "الشرنقة" تجربة درامية غنية، تحمل أبعادًا فلسفية، بل هو دراسة نفسية عميقة عن الإنسان المعاصر، وعن كيف يمكن للطموح غير المحسوب أن يتحول إلى لعنة، ولا شك أن الحلقات القادمة ستكشف عن مزيد من التفاصيل والتطورات، بل وستحمل في طياتها مفاجآت غير متوقعة، مما يجعلنا نترقب بشغف كيف ستتطور هذه الرحلة التي تجمع بين الضياع والأمل.
شاهد المزيد من أخبار مسلسلات رمضان عبر بوابة دراما رمضان 2025
شاهد محمد عبد الرحمن يكتب الشرنقة
كانت هذه تفاصيل محمد عبد الرحمن يكتب: "الشرنقة".. عبثية الواقع ومتاهة الأحلام نتمنى بان نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكامله .
و تَجْدَرُ الأشارة بأن المقال الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على اليوم السابع ونحيطكم علما بان قام فريق التحرير في نبض الجديد بالتاكد منه وربما تم التعديل فيه وربما قد يكون تم النقل بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر او المقال من مصدره الاساسي.