كتب جريدة الاتحاد من روائع أبي الطيب (39)..اخبار عربية عبر موقع نبض الجديد - شاهد 114 كَفَى بِكَ دَاءً أَنْ تَرَى المَوْتَ شَافِيَا وَحَسْبُ المَنَايَا أَنْ يَكُنَّ أَمَانِيَاوهذا البيتُ مِن الدَّلائلِ على إبداعِ المتنبّي في استخراجِ معاني شعرِه، فإنَّ معنى هذا البيتِ يكادُ يستحيلُ على الصَّحيحِ الَّذي لا يشكو من عِلَلٍ،... , نشر في الثلاثاء 2025/03/25 الساعة 10:24 م بتوقيت مكة المكرمة التفاصيل ومشاهدتها الان .
(114) كَفَى بِكَ دَاءً أَنْ تَرَى المَوْتَ شَافِيَا * وَحَسْبُ المَنَايَا أَنْ يَكُنَّ أَمَانِيَاوهذا البيتُ مِن الدَّلائلِ على إبداعِ المتنبّي في استخراجِ معاني شعرِه، فإنَّ معنى هذا البيتِ يكادُ يستحيلُ على الصَّحيحِ الَّذي لا يشكو من عِلَلٍ، تجعلُ الموتَ أهونَ عليه مِن الحياةِ بما يعانيهِ، أن يتصوّر هذا المعنى أو يتخيّل هذه الصُّورةَ. وقد عَدَّ الثعالبيُّ في (يتيمةِ الدَّهرِ)، هذا البيتَ مِن محاسنِ المتنبّي، الَّتي جاء بها ضمنَ قولِه: (ومِنها إرسالُ المِثَالَيْنِ في مِصراعَيِ البيتِ الواحدِ). والمِصراعُ هو شَطرُ البيتِ، ومِصراعَا البيتِ الواحدِ هما صدرُهُ وعَجزُهُ، أي: جُزؤُهُ الأوَّلُ وجُزؤُهُ التَّالي. أمَّا معنى كلامِ الثعالبيِّ: أنَّ في بيتِ القصيدِ مَثَلَيْنِ، أرسلهما المتنبّي، فصارَا مَثَلَيْنِ سائرَينِ. أوَّلهما، قولُه: (كَفَى بِكَ دَاءً أَنْ تَرَى المَوْتَ شَافِيَا)وثانيهِما، قولُه: (وَحَسْبُ المَنَايَا أَنْ يَكُنَّ أَمَانِيَا)والمعنى: يَكفيكَ مِنَ الدَّاءِ أعظَمُهُ وأشدُّهُ، أنْ تَرَى الشِّفاءَ ممَّا فيكَ مِن أمراضٍ وعِلَلٍ وآلامٍ، إنَّما يكونُ بالموتِ! عندما يُصبِحُ الموتُ الَّذي يَفِرُّ مِنهُ الأصحَّاءُ هو غايةَ المريضِ المتألِّمِ، فإنَّهُ قد بَلَغَ مِنَ الوَهَنِ والتَّعبِ والمعاناةِ والشِّدَّةِ مبلغاً عظيماً. ويُظهِرُ شدَّةَ مِحنَةِ مَن يتمنَّى الموتَ شفاءً مِن دائهِ، ما مَرَّ مَعَنا سابقاً مِن بيتِ أبي الطَّيِّبِ المتنبّي، الَّذي أَكَّدَ فيه أنَّ كلَّ النَّاسِ يبغُون الحياةَ ويسعَونَ إليها حريصِينَ عليها، وكلٌّ منهم مُستَهامٌ مُغرَمٌ صَبٌّ في عِشقِ الحياةِ، والشَّغَفِ بالعيشِ فيها، بقولهِ: أَرَى كُلَّنَا يَبغِي الحَيَاةَ بِسَعْيِهِ * حَرِيصاً عَلَيْهَا مُسْتَهَاماً بِهَا صَبَّافتأمَّلْ هذا العاشقَ الصَّبَّ المُستهامَ بالحياةِ، أيَّ أَلَمٍ أَلَمَّ بهِ ليعتبِرَ الموتَ شافياً مِن ألَمِهِ؟ وفي عَجُزِ البيتِ، أكَّدَ المتنبّي المعنى ذاتَهُ بتصويرِهِ مِن زاويةٍ أُخرى، تُعطِي الصُّورةَ أبعاداً ثلاثيَّةً، بقولهِ: (وحَسْبُ) أي يكفي (المنايا) جمعُ مَنيَّةٍ، وهي الموتُ، يعني: يكفي المنايا مِن أداءِ غايتِها، وبلوغِ هدفِها، وتحقيقِ غَرَضِها، أن يَكُنَّ (أَمانِيَا) جمعُ أُمنِيَةٍ، والأُمنِيَةُ هي البُغيَةُ الَّتي يرجو المرءُ تحقُّقَها. إنَّ المتنبّي ببيانِ هذه الحقيقةِ المُوغِلةِ في الألمِ، كأنَّما يَسخَرُ مِن هذه الحالةِ المُتناقِضَةِ مع الأوضاعِ الطبيعيَّةِ. إنَّها سُخرِيَةٌ سَوداءُ مريرةٌ، بِقَدرِ مرارَةِ الصُّورةِ المقلوبةِ رأساً على عقبٍ!
(115) تَمَنَّيْتَهَا لَمَّا تَمَنَّيتَ أَنْ تَرَى * صَدِيقاً فَأَعْيَا أَو عَدُواً مُدَاجِيَا(مُدَاجِياً): داجَى مُدَاجاةً: ساتَرَ بالعَدَاوَةِ، ومُدَاجِياً: مُسَاتِراً للعَداوةِ. يُخاطِبُ الشَّاعرُ نفسَهُ في البيتِ، مِن خلالِ خِطابِ غيرِهِ، وهي عادةٌ مألوفةٌ عند الشُّعراءِ، كما يقولُ أبو العلاءِ المَعَرِّيُّ. يقولُ: تَمنَّيتُ الموتَ بِتَمَنِّي صديقٍ صدوقٍ صادقِ الوعدِ مُنصِفٍ، وعَدَمِ تحقُّقِ الأُمنِيَّةِ، كما أُمنِيَّةِ وجودِ عدوٍّ مُدَاجٍ للعَداوَةِ الَّذي لا وجودَ لهُ، فخابتِ الأُمنيَّةُ. فالأعداءُ بَلَغُوا مِن الوقاحةِ والصَّفاقةِ والغَطرَسَةِ مبلغاً يُعلِنُون فيهِ عَداوتَهم جِهاراً نَهاراً ولا يَستُرُون مِنها قيدَ أُنْمُلَةٍ، بل ورُبَّما يَدَلَعُون ألسِنَتَهُم فوقَ ذلكَ، وبكلِّ بَجَاحَةٍ! وطَلَبُ الصَّديقِ مِن ضَروراتِ الحياةِ، ولذلك يقولُ المتنبّي: شَرُّ البِلَادِ مَكَانٌ لَا صَدِيقَ بِهِ * وَشَرُّ مَا يَكْسِبُ الإِنْسَانُ مَا يَصِمُ(وما يَصِمُ): أي ما يُعيبُ المرءَ. ولأبي الطَّيِّبِ في نُدرَةِ الصَّديقِ، قولُهُ: وَمَا الخَيلُ إِلَّا كَالصَّدِيقِ قَلِيلَةٌ * وَإِنْ كَثُرَتْ فِي عَينِ مَنْ لَا يُجَرِّبُوفيهِ تأكيدُ أبي الطَّيِّبِ على أنَّ الجاهلَ يَغْتَرُّ بِمَنْ يَحسَبُهُم أَصحاباً، وما هُم بأصحابٍ، فعينُ الجاهلِ حينَها عينُ مَن لا يُجَرِّبُ، وهذا ما دفعَ المتنبّي، ليَقُولَ: خَلِيلُكَ أَنْتَ لَا مَنْ قُلْتَ خِلِّي * وَإِنْ كَثُرَ التَّجَمُّلُ وَالكَلَامُوَيَشرَحُ أبو الطَّيِّبِ مَوقِفَهُ مِنَ الأَصدِقاءِ، في بَيتَينِ مِن شِعرِهِ، بقولهِ: وَلَمَّا صَارَ وُدُّ النَّاسِ خِبّاً * جَزَيتُ عَلَى ابْتِسَامٍ بِابْتِسَامِوَصِرْتُ أَشُكُّ فِيمَنْ أَصْطَفِيهِ * لِعِلْمِي أَنَّهُ بَعْضُ الأَنَامِيقولُ: لَمَّا فَسَدَ وُدُّ النَّاسِ عامَلتُهُم بالمِثلِ، وصِرتُ أُقَدِّمُ الشَّكَّ عَلَى الثِّقَةِ، فِي تَعامُلِي مَعَ الأَصدِقاءِ، لِأَنِّي أَعلَمُ أَنَّهُم جُزءٌ مِنَ النَّاسِ، الَّذِينَ فَسَدَ وُدُّهُم. وَمِمَّا يُستَحسَنُ في البابِ، لِأَبي العَتاهِيَةِ، قولُهُ: وَإِنِّي لَمُشْتَاقٌ إِلَى ظِلِّ صَاحِبٍ * يَرُوقُ وَيَصْفُو إِنْ كَدِرْتُ عَلَيْهِنَقَلَ ابنُ طَيفورٍ في (كِتَابِ بَغدادَ)، أَنَّ الخَلِيفَةَ المأمونَ لَمَّا سَمِعَ هَذا البَيتَ، قَالَ: «خُذْ مِنِّي الخِلَافَةَ وَأَعطِنِي هَذا الصَّاحِبَ بَدَلَها»!
قِيلَ لِأَعرابِيٍّ: كَيفَ أُنسُكَ بِالصَّدِيقِ؟ قَالَ: وَأَينَ الصَّدِيقُ؟ بَل أَينَ الشَّبِيهُ بِهِ؟ بَل أَينَ الشَّبِيهُ بِالشَّبِيهِ بِهِ؟ وَاللهِ مَا يُوقِدُ نَارَ الضَّغائِنِ وَالذُّحولِ في الحَيِّ إِلَّا الَّذِينَ يَدَّعُونَ الصَّداقَةَ، وَيَنتَحِلُونَ النَّصِيحَةَ، وَهُم أَعداءٌ في مُسُوكِ الأَصدِقاءِ، وَمَا أَحسَنَ مَا قَالَ حَضَرِيُّكُم: إِذَا امتَحَنَ الدُّنيَا لَبِيبٌ تَكَشَّفَتْ * لَهُ عَن عَدُوٍّ فِي ثِيَابِ صَدِيقِ(الصَّداقَةُ وَالصَّدِيقُ)، لِأَبي حَيَّانَ التَّوحِيدِيِّ. وَالبَيتُ لِأَبي نُواسٍ.
شاهد من روائع أبي الطيب 39
كانت هذه تفاصيل من روائع أبي الطيب (39) نتمنى بان نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكامله .
و تَجْدَرُ الأشارة بأن المقال الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على جريدة الاتحاد ونحيطكم علما بان قام فريق التحرير في نبض الجديد بالتاكد منه وربما تم التعديل فيه وربما قد يكون تم النقل بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر او المقال من مصدره الاساسي.