كتب الشروق أونلاين التّرجمة: فنّ مُقْنِعٌ أم زيف مقَنَّع؟!..اخبار عربية عبر موقع نبض الجديد - شاهد الرأي التّرجمة فنّ مُقْنِعٌ أم زيف مقَنَّع؟!عَمَّار قواسمية2025 04 1480ح. مصورة تعبيرية.إنَّ مَقُولَةَ أَفلاطُونَ المَشهُورَة الفَنُّ اسْتِنسَاخٌ لِلوَاقِعِ وَمُحَاكَاةٌ... , نشر في الأثنين 2025/04/14 الساعة 08:49 م بتوقيت مكة المكرمة التفاصيل ومشاهدتها الان .
الرأي
التّرجمة: فنّ مُقْنِعٌ أم زيف مقَنَّع؟!
عَمَّار قواسمية
2025/04/14
8
0
ح. م
صورة تعبيرية.
إنَّ مَقُولَةَ أَفلاطُونَ المَشهُورَة: «الفَنُّ اسْتِنسَاخٌ لِلوَاقِعِ وَمُحَاكَاةٌ لَهُ. فَإِنْ كَانَت المَحسُوسَاتُ صُوَرًا مُزَيَّفَةً لِعَالَمِ المُثُلِ، فَإِنَّ العَمَلَ الفَنِّيَّ تَقلِيدٌ لِمَا هُوَ مُقَلَّدٌ أَصلًا»، تُثِيرُ إِشكَالًا عَميقًا لا يَقِفُ عندَ مَجَالِ فَلسَفَةِ الفَنِّ، بَل يَبلُغُ مَدَاهُ إِلَى نَظَرِيَّةِ التَّرجَمَةِ؛ إِذ تُطرَحُ مَعَهُ أَسئِلَةٌ جَوهَرِيَّةٌ بِشَأنِ الصِّلَةِ بَينَ الأَصلِ وَالنُّسخَة، وَمَدَى قُدرَةِ التَّرجَمَةِ عَلَى نَقلِ الحَقِيقَةِ الجَمَالِيَّةِ وَالمَعرِفِيَّةِ لِلأَدَبِ أَو الفَنّ.
فَإِن كَانَ أفلاطون يَرى الفَنَّ مُحَاكَاةً لِمُحَاكَاةٍ (Imitation of an Imitation)، صَارَتِ التَّرجَمَةُ -عِندَ مَن يَرتَئِي رَأيَه- مُحَاكَاةً مُضَاعَفَةً؛ فَهِيَ لا تَنقُلُ الوَاقِعَ عَينًا، بَل تَنقُلُ تَمثِيلًا لُغَوِيًّا لِهَذَا الوَاقِع. وَقَد قَالَ المُتَرجِمُ وَالنَّاقِدُ الفَرَنسيُّ “جُورج مُونَان” (Georges Mounin): «لَيسَت التَّرجَمَةُ نَقلًا لِلُّغَةِ، بَل نَقلًا لِلرُّؤيَةِ»، فَكَأَنَّهُ يُؤَكِّدُ بُعدَ الفَنِّ -وَالتَّرجَمَةِ مَعَه- عَنِ الحَقِيقَةِ، في صُورَةٍ تَزيدُ الأمرَ تَعقِيدًا، وتَنفَخُ فيه مِن رَاهنِ اللَّحظة وحَيَوِيَّة النَّبض.
وَقَد وَصَفَ كَثِيرٌ مِن أَهلِ النَّظرِ فِي التَّرجَمَةِ الأَدَبِيَّةِ أَنَّهَا “فِعلٌ تَأوِيلِيٌّ” (Hermeneutic Act)، وَلَيسَت نَقلًا دِلالِيًّا فَقط (Semantic Transfer)، بَل إِعَادَةُ خَلقٍ جَمَالِيٍّ وَمَعرِفِيٍّ لِلنَّصِّ. وَفِي ذَلِكَ يَقولُ “فالتر بِنْيامين” (Walter Benjamin) فِي مَقَالَتِهِ الشَّهِيرَة “مَهَمَّةُ المُتَرجِمِ” (The Task of the Translator): «إِنَّ التَّرجَمَةَ تَكشِفُ عَنِ “النِّيَّةِ الخَالِصَة” لِلنَّصِّ الأَصل، وَنَاتِجُ التَّرجَمَة لَيسَ نُسخَةً، بَل كِيَانٌ جَدِيدٌ يُتِمُّ الأَصلَ وَلَا يُطَابِقُه».
عَلَى أَنَّ “القَلَقَ الأَفلاطونِيّ” مِن التَّزوِيرِ الفَنِّيِّ لَم يَغِب عَمَّن يَرَونَ فِي التَّرجَمَةِ مَسخًا لِلأَصل، وَتَشوِيهًا لِجَمَالِيَّاتِه. فَكَمَا يُخشَى مِن أَن يُضِلَّ العَمَلُ الفَنِّيُّ المُتَلَقِّي، يُخشَى أَيضًا مِن أَن يُسِيءَ المُتَرجِمُ -عَمدًا أَو غَفلَةً- إِلَى رُوحِ النَّصِّ وَأوجُهِ بَلاغَتِهِ وَحُدُودِ أُفُقِه.
وَمِمَّا يُثبِتُ تَعقِيدَ هَذِهِ العَلَاقَة مَا قَالَهُ “هنري ميشونيك” (Henri Meschonnic): «إِنَّ التَّرجَمَةَ لَيسَت عُبُورًا لِلنَّصِّ، بَل عُبُورٌ لِلقَولِ، بِإِيقَاعِهِ وَصَوتِهِ وَحَيَاتِهِ»، فَكَأَنَّ المُتَرجِمَ لَيسَ نَاقِلًا لِلكَلِمَاتِ وَحَسبُ، بَل هُوَ صَانِعٌ لِتَجرِبَةٍ وُجُودِيَّةٍ، وَفَنَّانٌ يُحَاكِي العَمَلَ الفَنِّيَّ بِطَرِيقَتِهِ، مَعَ الوَفَاءِ الجَمَالِيِّ وَالوظِيفِيِّ للأصل.
فَهَلِ التَّرجَمَةُ، عَلَى وَجهِ الفَنِّ، تُقَرِّبُنَا مِنَ الحَقِّ أَم تَزِيدُ الفَصلَ بَينَنَا وَبَينَه؟ إِنَّهَا -على الظَّاهِر- تَقِفُ فِي الوَسَطِ بَينَ الكَشفِ وَالسِّترِ، وَبَينَ الإِبدَاءِ وَالإِخفَاءِ. وَالعَجِيبُ في الأمر رُؤيَةُ بَعضِهِم بِأنَّ النَّجَاحَ فِي التَّرجَمَةِ مَظِنَّتُهُ فِي “الإِخفَاءِ”؛ إِذ يَقرَؤُهَا القَارِئُ كَأَنَّهُ يُطَالِعُ النَّصَّ فِي لُغَتِه، كَمَا يُخفِي العَمَلُ الفَنِّيُّ أَدَاتَهُ لِيُظهِرَ لَنا “الحَقِيقَةَ” جَلِيَّةً كَأَنَّهَا أَصل..!
وفي ما قَلَّ وَدَلَّ أقُول إنَّ النَّظَرَ فِي التَّرجَمَةِ مِن مَنفَذِ أَفلاطونَ يُثرِي فَهمَنَا لِدِينَامِيكِيَّاتِ المُحَاكَاةِ وَالتَّأوِيلِ، وَيَدعُونَا لِنَتَجَاوَزَ الرُّؤيَةَ المُزدَرِيَةَ لِلتَّرجَمَةِ عَلَى أَنَّهَا صَدًى خَامِل، فَنَرَاهَا بَدلًا مِن ذَلِكَ عَمَلًا فَنِّيًّا قَائِمًا، لَهُ أُفُقُهُ الإِبدَاعِيُّ وَكِيَانُهُ الجَمَالِيُّ المُستَقِلّ.
شارك المقال
شاهد الت رجمة فن م ق ن ع أم زيف
كانت هذه تفاصيل التّرجمة: فنّ مُقْنِعٌ أم زيف مقَنَّع؟! نتمنى بان نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكامله .
و تَجْدَرُ الأشارة بأن المقال الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على الشروق أونلاين ونحيطكم علما بان قام فريق التحرير في نبض الجديد بالتاكد منه وربما تم التعديل فيه وربما قد يكون تم النقل بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر او المقال من مصدره الاساسي.