كتب فلسطين أون لاين في وداع الشرطي الشهيد "ياسين".. قصة حياة توقفت تحت الأنقاض..اخبار عربية عبر موقع نبض الجديد - شاهد غزة عبد الرحمن يونس في فجر الثلاثاء الماضي، حين كان الظلام يلفّ أرجاء قطاع غزة، كانت طائرات الاحتلال تمزق صمت الليل بقصف عنيف استهدف مركز شرطة الشاطئ. لم يكن الهدف عسكريًا، ولم يكن أولئك الذين سقطوا في ذلك المكان يحملون سلاحًا يهدد أحدًا.كان... , نشر في الأحد 2025/03/23 الساعة 08:28 م بتوقيت مكة المكرمة التفاصيل ومشاهدتها الان .
غزة/ عبد الرحمن يونس:
في فجر الثلاثاء الماضي، حين كان الظلام يلفّ أرجاء قطاع غزة، كانت طائرات الاحتلال تمزق صمت الليل بقصف عنيف استهدف مركز شرطة الشاطئ. لم يكن الهدف عسكريًا، ولم يكن أولئك الذين سقطوا في ذلك المكان يحملون سلاحًا يهدد أحدًا.
كان محمد ياسين، الشاب ذو الخمسة والعشرين عامًا، بينهم. كان على رأس عمله، يؤدي واجبه كأي شاب آمن ببلده، آمن بواجبه، وآمن بأن الخير يمكن أن يُصنع حتى وسط الركام. رحل محمد شهيدًا، تاركًا خلفه قصة إنسانية تختصر حكاية غزة... حكاية الحياة تحت القصف والموت في سبيل الكرامة.
والده، الحاج أبو ضياء، يروي تفاصيل تلك الليلة بعينين دامعتين وقلب مؤمن بقضاء الله وقدره. يجلس في باحة منزله المدمر جزئيًا بفعل القصف ذاته، فيما تنساب كلماته كجرح مفتوح لا يتوقف نزفه. "محمد كان سندي... يدي اليمنى،" يقول لصحيفة "فلسطين" وهو يرفع يده إلى السماء مسترجعًا تلك اللحظات التي غيرت مجرى حياته. "استقبلت خبر قصف المركز بذعر كبير. قلبي كان يحترق، لأنني أعلم أن محمد في الداخل. لم أتردد للحظة واحدة، ركضت كما لم أركض من قبل، إلى حيث كانوا يقولون إن القصف كان".
حين وصل الحاج أبو ضياء إلى مركز شرطة الشاطئ، لم يجد سوى كومة من الركام والغبار الكثيف يغطي المكان. المركز، الذي اعتاد محمد الدخول والخروج منه بأمان، لم يعد سوى ذكرى. "نظرت للمكان ولم أصدق ما تراه عيناي. المركز الذي كان يقف شامخًا، سوي بالأرض. خوفي ازداد. كنت كأنني أبحث عن إبرة في كومة قش".
توجه الأب الثاكل إلى مستشفى الشفاء، ملاذ من فقدوا أحبابهم في غزة، ووقف هناك ساعات طوالًا يحدق في كل سيارة إسعاف تقترب من بوابة المستشفى، عله يلمح محمد بينهم. "كان قلبي ينتفض مع كل سيارة تصل، وكلما أنزلوا شهيدًا أو جريحًا، ركضت علني أجد محمد. لكن الوقت مرّ... والسيارات توقفت... والأمل بدأ يتضاءل."
بعد أربع ساعات من الانتظار المشوب بالخوف والرجاء، قرر الحاج أبو ضياء أن يعود إلى ركام مركز الشرطة بنفسه. ربما لم يعد هناك أمل، لكنه لم يكن قادرًا على الاستسلام. "قلت لنفسي: سأذهب إليه... إن وجدت جثمانه، سأحمد الله، وإن لم أجده، سأظل أبحث." لم يكن يعلم أن الله قد كتب له أن يودع ابنه للمرة الأخيرة بطريقة لم تكن تخطر بباله.
"وجدت محمد تحت الأنقاض، جثمانه كاملاً، رغم القصف العنيف. صحيح أن وجهه قد انقسم نصفين، لكن هذه غزة، هنا عندما تجد جثمانًا كاملاً لشهيد، تعتبرها نعمة كبيرة. صليت عليه، ودفنته بيدي. الحمد لله، استرجعت أمر الله وصبرت."
محمد لم يكن مجرد شاب يؤدي عمله في مركز الشرطة، بل كان عماد أسرته. كان الحنون على شقيقاته الثلاث، والسند لأخيه ضياء، حيث كانا يخططان معًا لإطلاق مشروع صغير أمام بيتهم الذي دمرته الطائرات الإسرائيلية في القصف ذاته. الحلم كان بسيطًا... دكان صغير يبيع المواد التموينية والتوابل، علهما يتمكنان من سد احتياجات أسرتهما، وتخفيف الأعباء الثقيلة عن كاهل والدهما. لكن كما يقول الحاج أبو ضياء: "الاحتلال قضى على صاحب الحلم قبل أن يرى النور."
لم يكن الحاج أبو ضياء ينتظر شيئًا من الدنيا سوى أن يرى ابنه محمد عريسًا، كما بقية شباب الحي. "كنت أتمنى أن أراه عريسًا، أن يملأ بيتنا بالفرح... لكن قدر الله أن يكون شهيدًا. السكينة التي نزلت عليّ وعلى أمه كانت عجيبة، وكأن الله أبدل حزننا طمأنينة، وكأننا نعرف أن محمد ليس ميتًا، بل حي عند ربه يُرزق."
رحيل محمد لم يكن أول المصائب التي واجهها الحاج أبو ضياء. ففي بداية الحرب، اعتقلته قوات الاحتلال لمدة أربعة أشهر دون أي تهمة تثبت عليه. "خرجت بفضل الله، لم تثبت عليّ أي تهمة، لكن هذا هو قدر الفلسطيني في أرضه... مطارد أو سجين أو شهيد."
اليوم، يقف الحاج أبو ضياء أمام بيتهم الذي أصبح أثرًا بعد عين، ويسترجع ملامح ابنه الشهيد، صوته، ضحكته، حنانه على شقيقاته، وشراكته مع أخيه ضياء في الحلم الصغير. "محمد كان الحلم... وكان الحامي... وكان القلب الكبير في البيت."
قصة محمد ليست استثناءً في غزة، بل هي جزء من حكاية طويلة، فيها آلاف الشهداء الذين رحلوا، وتركوا خلفهم أهلاً يحبونهم، ويؤمنون أن دماءهم لم تذهب سدى. "الحمد لله على كل حال... وإنا لله وإنا إليه راجعون،" يختم الحاج أبو ضياء كلماته، ويمسح بيده على الجدران المتصدعة، وكأنها آخر ما تبقى من حياة محمد.
في غزة، كل بيت فيه قصة شهيد، وكل شارع مرسوم بآثار القصف، لكن ما يبقى أكبر من كل هذا... صمود شعب لا يعرف سوى الكرامة عنوانًا لحياته، حتى لو كانت تحت الأنقاض.
المصدر / فلسطين لأون لاين
شاهد في وداع الشرطي الشهيد ياسين
كانت هذه تفاصيل في وداع الشرطي الشهيد "ياسين".. قصة حياة توقفت تحت الأنقاض نتمنى بان نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكامله .
و تَجْدَرُ الأشارة بأن المقال الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على فلسطين أون لاين ونحيطكم علما بان قام فريق التحرير في نبض الجديد بالتاكد منه وربما تم التعديل فيه وربما قد يكون تم النقل بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر او المقال من مصدره الاساسي.